• العربية
  • English
صحة الأسنان

طب الأسنان والحضارة الإسلامية

  • 3 December 2021
  • 0
  • 185 مشاهدة

شهد العالم إبان عصور الحضارة الإسلامية في العصور الإسلامية (الوسطى) ازدهار وتقدم وتطور علم الطب، فعلى مدى قرون طويلة تقترب من الألف سنة، كان الطب على مستوى العالم ينطق بالعربية درسًا وممارسة وتطبيبًا، وذلك إنما يرجع إلى الإنجازات والإسهامات الطبية الأصيلة التي أبدعها أطباء وعلماء الحضارة الإسلامية، وأفادت منها الإنسانية جمعاء.

المسلمون والتخصص في طب الأسنان

ولقد تميز طب الحضارة الإسلامية في عصر ازدهاره بعلم ومعرفة وممارسة الاختصاصات الطبية المختلفة، وقد سبق أن أصدرت أربعة كتب تكشف عن اختصاصات: الطب النفسي، وطب العيون، وطب الباطنة. وهنا أحاول أن أكشف عن إسهامات أطباء الحضارة الإسلامية في طب الأسنان، ذلك الاختصاص الفريد الذي نال ازدهارًا وتطورًا مثله مثل الاختصاصات الأخرى في طب الحضارة الإسلامية. ومع ذلك قلما تجد أيًا من الكتابات العربية قد أفردت لهذا الاختصاص، اللهم إلا دراسة واحدة قدمها الدكتور فؤاد الذاكري، وكانت ضمن أعماله التي اقتسم بها معي جائزة المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية المقدمة من مؤسسة الكويت للتقدم العلمي في مجال الفقه الطبي وتحقيق التراث سنة 2007م، وذلك إلى جانب بعض الأبحاث القليلة والسطور الأقل في مؤتمرات وكتب تاريخ العلوم عند العرب.

وربما يكون للاستشراق دور في هذا التوجه، إذ يندر أن تجد في كتابات المستشرقين، منذ أن عاودوا التنقيب في المخطوطات العربية الإسلامية إبان منتصف القرن التاسع عشر، أي كتابات مستقلة عن طب الأسنان، فسلك الكتاب العرب نفس مسلكهم!

علماء ومؤلفات طب الأسنان في الحضارة الإسلامية

احتل طب الأسنان في الحضارة الإسلامية مكانًا مرموقًا في تاريخ الطب العالمي، ومع هذا لم نقف حتى الآن على حلقة مكتملة للإسهام الإسلامي في طب الأسنان في سلسلة تاريخ الطب العالمي، وذلك يرجع إلى أن ما وصلنا من مؤلفات ومخطوطات طب الأسنان في الحضارة الإسلامية ليست هي كل المادة العلمية التي كتبها العلماء، فبعضها وصل، وبعضها فُقد، وبعضها ضاع، وبعضها ضاع مؤلفها، يشير إلى ذلك ما بات نألفه في فهارس المخطوطات من تدوين مؤلفات كثيرة منسوبة إلى مجهولين!

ويشير كذلك إلى أن طب الأسنان يُعدّ من الاختصاصات التي لاقت اهتمامًا بالغًا في الحضارة الإسلامية، يؤكد ذلك كثرة عدد أطباء الأسنان، وكثرة التصانيف والتآليف المعتبرة والمرموقة التي وضعوها، تلك التي أضافت ثروة علمية كبيرة إلى الناتج العلمي والمعرفي لتاريخ هذا العلم. وللوقوف على الحجم الحقيقي لهذا الناتج، رأيت أن موسوعة الحاوي في الطب للرازي تلعب دورًا بارزًا في هذا المضمار، فلقد انتهى تحقيقي لهذه الموسوعة على مدار خمس عشرة سنة إلى العديد من الفوائد الجمة التي تخدم ليس تاريخ الطب العربي الإسلامي فحسب، بل تاريخ الطب الإنساني كله، ومنها أنها تحتوي على أوراق ومتون كتب من الحضارات السابقة على الحضارة الإسلامية، وأيضًا الحضارة الإسلامية، وأصول هذه الأوراق وتلك المتون مفقودة، ولا توجد إلا في “الحاوي”.

فحاولت الوقوف على مثل هذه النصوص المفقودة لأعلام الطب في الحضارة الإسلامية بعامة، وأعلام طب الأسنان بخاصة، وذلك بهدف (ترميم) مساهماتهم باسترجاع وتحقيق ما فُقد أو ضاع من مؤلفاتهم، ولا وجود لنصوص منها إلا في حاوي الرازي، فاسترجعت من الحاوي نصوصًا مفقودة أو ضائعة لماسرجويه البصري، وعيسى بن حكم، وعبدوس، والساهر، وبني بختيشوع، والطبري، ويحيى بن ماسويه، وحنين بن إسحق، وإسحق ابنه، ومجهولين مثل ابن طلاوس.

ثم تتبعت إسهامات صاحب الحاوي، وهو الرازي في طب الأسنان، واللاحقين له كعلي بن العباس، والزهراوي وابن سينا. وبيّنت النصوص (المسترجعة) لكل من ماسرجويه، وعيسى بن حكم، أن معلوماتهم وخبراتهم أفادت في مجال طب الأسنان اللاحقين من أجيال العلماء، فجاءت “تذكرة” عبدوس (ت 289هـ) من الكتابات المهمة لتاريخ الطب في الإسلام، إذ بحثت مختلف الأمراض التي يمكن أن تصيب الإنسان من الرأس إلى القدم، وشغل طب الأسنان قدرًا معتبرًا من “التذكرة”، اقتبس منه الرازي في موسوعته الأهم “الحاوي”.

وإذا كان كُناش الساهر لم يصل إلينا مثله مثل كثير من مؤلفات الطب العربي الإسلامي، إلا أن ما حفظه الرازي في حاويه من نصوصه تشير إلى أهمية مساهمة الساهر في طب الأسنان، كما أن اهتمام عائلة بختيشوع بالطب وتضلعهم فيه لا يخلو من طب الأسنان، فلقد اهتموا بالأسنان مثل بقية أجزاء الجسم التي عرفوها، ووقفوا على أمراضها، وقدموا لها من العلاجات ما يساعد على الشفاء منها، كما دوّنوا معلوماتهم العلمية في مؤلفات مثل ما لبختيشوع من: التذكرة، وما لجبرائيل من: كُناشه الكبير الملقب بالكافي، والروضة الطبية.

ويعد كتاب “فردوس الحكمة” للطبري (ت 236هـ) أقدم تأليف عربي جامع لفنون الطب، وأول موسوعة طبية عربية اعتنت بالطب وعلومه، وما يلزم لدراستها، فاحتوت علم الأجنة وعلم السموم، والطب العقلي، وطب النساء، والتشريح، وطب الأسنان الذي تضمن علاجات أمراض الأسنان، واستخدام المكاوي، وغيرها من المسائل الأخرى المتعلقة بطب الأسنان، تلك التي شغلت اهتمام اللاحقين من العلماء حتى اقتبسوا من نصوصها في مؤلفاتهم، لا سيما الرازي في الحاوي.

وكان يحيى بن ماسويه غزير الإنتاج الطبي، فسجل له ابن أبي أصيبعة أربعين كتابًا في الطب، لكني كشفت عن أن لابن ماسويه كتبًا أخرى لم يذكرها ابن أبي أصيبعة، ولا غيره من المؤرخين، ولم يرد ذكرها، وكذلك نصوص منها إلا في موسوعة الحاوي للرازي، تلك التي حفظت لنا ولتاريخ الطب الكثير من نصوص أطباء الحضارة الإسلامية وغيرها من الحضارات التي ضاعت أو فقدت عبر الزمن، ومنها لابن ماسويه: كتاب الكمال والتمام، وكتاب الأدوية المنقية، وكتاب في تدبير السنة، الأول ذكره المؤرخون ومنهم ابن أبي أصيبعة، والثاني والثالث لم يذكرهما، ولا يوجد نصوص من هذه المؤلفات إلا في موسوعة الحاوي تلك التي وقفت فيها على نصوص يحيى بن ماسويه في طب الأسنان.

واذا كانت معظم الدراسات التي صدرت في حنين بن إسحق (ت 260هـ) قد اهتمت بإبراز جهوده في الترجمة على حساب جهوده في الطب، اللهم إلا بعض الدراسات مثل تحقيق ونشر كتاب “المسائل في الطب” ونشر كتاب “المسائل في العين” ونشر كتاب “العشر مقالات في العين” بتحقيق ماكس مايرهوف الذي ذكر أنه منسوب لحنين، ومع ذلك فإن هذا الكتاب قد لعب دورًا مهمًا في طب العيون العربي الإسلامي، فقد أفاد واقتبس منه أعلام الكحالة العرب والمسلمين اللاحقين لحنين.

إلا أن أهم الاقتباسات وأكثرها جاءت في موسوعة الحاوي في الطب للرازي، حيث احتوت على كثير من نصوص ومؤلفات حنين الطبية، منها ما ذكرته مصادر تأريخ الطب، ومنها ما لم تذكره، مثل كتاب الترياق، وكتاب المسائل والجواب في العين، وكتاب في تشريح آلات الغذاء، وكتاب في حفظ الأسنان واللثة، وكتاب إصلاح اللثة واللسان. فوقفت على نصوص حنين في طب الأسنان التي احتواها حاوي الرازي، لتضاف إلى الرصيد الكلي لإنجاز علماء الحضارة الإسلامية في طب الأسنان.

 ومنهم إسحق بن حنين الذي ساهم، متأثرًا بأبيه، في طب الأسنان، وإن كانت مساهماته ليست في حجم إسهامات أبيه، ودوّن علمه وخبرته في طب الأسنان في بعض مؤلفاته، واقتبس منها، وأفاد بها في صاحب الحاوي وهو الرازي (ت 313هـ) الذي يُعد خير ممثل لمرحلة الإبداع والابتكار من تاريخ الطب العربي الإسلامي، وذلك بفضل إنجازاته الطبية والصيدلانية والبحثية والتعليمية التي أبدعها، وأفادت منها البشرية جمعاء. وبالنسبة إلى طب الأسنان، فبالإضافة إلى ما حفظه للإنسانية من نصوص مجهولة ومفقودة لأطباء الحضارة الإسلامية السابقين عليه، ودوّنها في موسوعته الحاوي، فحفظت من الضياع، ساهم الرازي في منظومة إبداع طب الأسنان في الحضارة الإسلامية، وليس أدل على ذلك من تخصيصه لجزء خاص من الحاوي يبحث في طب الأسنان.

جهود علي بن العباس في طب الأسنان

كما وقفت على أطباء أسنان ومؤلفين في الحضارة الإسلامية لم نعرف تاريخ ميلادهم ولا وفاتهم، ولا العصر الذي عاشوا فيه تحديدًا، فقد خلت مصادر ومراجع تأريخ الطب من ذكر أخبارهم، فرجحت أنهم سابقون على الرازي أو معاصرون له بدليل نصوصهم التي اقتبسها الرازي، ودوّنها في الحاوي، ومنهم ابن طلاوس الذي وقفت على نصوصه في حاوي الرازي، وتم تحقيقها، لتضاف إلى الرصيد العلمي لطب الأسنان في الحضارة الإسلامية، ذلك الرصيد الذي تضمن سبق علي بن العباس (ت 385هـ) العلمي الأصيل في تشخيص ووصف ما يُعرف حاليًا في طب الأسنان باسم البثعة أو الورم اللثوي الذي ينبت على اللثة وفي جوانب الأسنان، ووضع له العلاجات المناسبة من جراحة وأدوية. كما أجرى علي بن العباس ما يُعرف حاليًا في الطب بالجراحة التجميلية لتشوه الأسنان، فنشر الأسنان النابتة على غيرها. وعالج علي بن العباس كسر اللحى أو الفك السفلي، وخلع الفك السفلي بطرائق مازالت متبعة في الطب الحديث مثل الرد الأصبعي وتثبيت الأسنان وربطها بأسلاك من ذهب والتي تقابل الآن أسلاك الفولاذ، وربط الفك السفلي في اتجاه الرأس بعد رده برباط قماش والذي يقابل الرباط المطاطي حاليًا.

جهود الزهراوي في طب الأسنان

ويسجل أبو القاسم الزهراوي (ت 404هـ) السبق العلمي الأصيل في تشخيص ووصف القلح والترسبات القلحية وأثرها في فساد اللثة، وأساليب وطرائق إزالتها، تلك التي مازالت مستخدمة في الطب الحديث. وفي مجال قلقلة الأسنان أبدع الزهراوي وبرع في تشبيك الأسنان المتحركة بالجبيرة السلكية التي وصفها واستخدمها بأسلاك الذهب استخدامًا دقيقًا، ولا تخرج هذه العملية في الطب الحديث عما أبدعه الزهراوي. وكذلك شغلت الجراحة التجميلية لتطاول الأسنان أو النابتة على غيرها حيزًا في اهتمامات أبي الجراحة، مصممًا وواصفًا ومستخدمًا للآلات الخاصة بذلك، فضلًا عن أن الزهراوي يعدّ في تاريخ العلم أول من زرع الأسنان بعد نحتها من عظام البقر، وأول من صنع المشابك السنية لتقويم الأسنان، وأبدع في تجبير الكسور، واخترع وصنع الكثير من المكاوي وآلات جراحة الأسنان.

جهود ابن سينا في طب الأسنان

وخصص الشيخ الرئيس ابن سينا (ت 428هـ) حيزًا لطب الأسنان في كتابه الأشهر “القانون” مشاركًا به أطباء الحضارة السابقين عليه، لا سيما الرازي، وعلي بن العباس، والزهراوي، في منظومة الإبداع التي شهدها علم طب الأسنان، فأبدع ابن سينا في مجال تشبيك الأسنان المتحركة بتوسيع منابت الأسنان في حالة تآكل العظم بسبب آفة نسج داعمة، أو خراج سني، وأشار إلى الامتصاص الدوري الحديث حين وصف تآكل يدقق السن بما ينقص منها. كما وقفت على التراجع اللثوي الذي ينشأ عن النسج الداعمة إذا التهب، وذلك بمعرفته نقصان لحم العمور. وفي قلع الأسنان اشترك ابن سينا مع سابقيه من أطباء الحضارة الإسلامية في اتباع الطريقة المتبعة حاليًا، من حيث البدء بقطع رباط سني خاص يربط السن باللثة، ثم يشرط حول السن، ثم يمسك بالكلابة ويقلقل للخارج وللداخل، ثم يسحب. ولم يكتف ابن سينا بقلع السن آليًا، بل اشترك مع الرازي في الاستعانة بالوصفات الدوائية، وخاصة التي يدخل فيها الزرنيخ لتسهيل الخلع، وهذا ما أثبته الطب الحديث من ستخدام الزرنيخ في قلع الأسنان من دون ألم، كما قال ابن سينا.

إسهامات أخرى في طب الأسنان

وبعد ابن سينا استمر تواصل وعطاء علماء وأطباء الحضارة الإسلامية في ميدان طب الأسنان، وجراحة الفم والوجه والفكين، فاهتموا بما قدمه أسلافهم من إنجازات وابتكارات ومعالجات، وزادوا عليها في كتاباتهم، مثل سعيد بن هبة الله (ت 495هـ) في كتابه المغني في الطب، وابن العين زربي (ت 548هـ) في كتابه الكافي في الطب، وابن القُف الكركي (ت 657هـ) في كتابه العمدة في صناعة الجراحة، وابن هُبل البغدادي (ت 675هـ) في كتابه المختارات في الطب، وابن الفرج القربلياني (ت761هـ) في كتابه الاستقصاء والإبرام في علاجات الجراحات والأورام.

إبداعات المسلمين في طب الأسنان

من كل ما سبق يمكن الوقوف بصورة ما على حجم طب الأسنان في الحضارة الإسلامية فيما يلي:

عني أطباء الحضارة الإسلامية عناية كبيرة بوقاية وتنظيف الأسنان، مؤكدين استعمال أعواد السواك كفرشاة، وذلك لاحتوائها على نسبة عالية من الكالسيوم والعفص والحديد. واهتموا بمعالجة السن بكل الطرائق والوسائل، فابتكروا واتبعوا طرائق دقيقة في العلاج تكاد تقترب كثيرًا مما هو سائد حاليًا في الطب الحديث. فلقد وضعوا أسس التشخيص التفريقي Differential Diagnosis المتبع الآن لأمراض الأسنان، ففرقوا بين الأعراض والآلام المصاحبة للأمراض، وذلك للوقوف على الأسباب الحقيقية للمرض، فكان الطبيب يتحرى الدقة في تشخيص السن المصابة تشخيصًا سليمًا، لا سيما إذا كان النخر في السن جانبيًا يصعب رؤيته، ويتخذ الألم شكل الشعاع ممتدًا إلى السن السليمة.

عالج أطباء الحضارة الإسلامية عصب السن والجذور Endodontics بما يعرف حاليًا بتحنيط لب السن pulp fixation وإماتته، وأرسو أساس حشو الجذور المستعمل حاليًا، فابتكروا في مجال تسويس الأسنان Teeth caries، لأول مرة في تاريخ الطب، طريقة ثقب وسط السن المتآكلة بمثقب يدوي لإخراج المواد المحتقنة الناتجة عن التهاب العصب، واستعملوا أنواعًا عديدة من الحشوات مثل الكبريت والقرنفل والشيح والمصطكي والقطران، وحشوا الضرس بمسحوق الفلفل، فإذا استمر الألم، استبدل بالزرنيخ الأحمر. واستعملوا الحشوات المصبوبة المركبة من خليط من المواد غير القابلة للصدأ مثل الذهب لتعويض الأجزاء المكسورة أو المفقودة من الأسنان، كما صنعوا ونحتوا أسنانًا صناعية من عظام البقر والعاج لتحل محل الأسنان المفقودة وتملأ حفرتها مثبتة بأسلاك من ذهب.

واتبع أطباء الحضارة الإسلامية في قلع الأسنان نفس الطريقة المتبعة حاليًا، حيث يبدأ القلع بقطع رباط سني خاص يربط السن باللثة، ثم يشرط حول السن من الطرف الدهليزي الخارجي، ومن الطرف اللساني الداخلي، ثم تمسك السن بالآلة الخاصة بذلك وهي الكلابة، وتقلقل للخارج وللداخل، ثم سحبها لأسفل إذا كانت من الأسنان العلوية، ولأعلى إذا كانت من الأسنان السفلية.

وفي قلع أصول الأضراس واستخراج عظام الفك المكسورة، ابتكروا واستخدموا الروافع والكلابة التي تشبه فم الطائر، وقاموا بفتح شريحة لثوية للقلع. وإذا ما تفتت عظم من الفك بعد القلع بسبب التهاب، فإنهم أوصوا بإزالته بالأدوية تمامًا كما هو متبع الآن في الطب الحديث، بل أشاروا لأول مرة إلى استعمال الخل المركز لإيقاف النزيف بعد خلع الضرس.

وإلى جانب الآلات الجراحية الخاصة بخلع الأسنان، برع أطباء الحضارة الإسلامية في تصنيع وتصنيف الآلات الخاصة بجرف التسوس والتآكل والآلات الثاقبة والقاطعة مثل المجرفات والأزاميل، والمسلات، والمثاقب، والمبارد، بالإضافة إلى الصنانير والخطاطيف ومسابر الكي الحراري، تلك التي ما زالت تستخدم في طب الأسنان، بعد أن نال بعضها التطور التكنولوجي الحديث.

وفي مجال التخدير لمنع الألم، يُعدّ أطباء الحضارة الإسلامية الرواد الأوائل في التخدير العام بالاستنشاق، والذي سجلوا به سبقًا على الطب الغربي الحديث. وتقوم نظريتهم فيه على بلّ قطعة من الإسفنج بمحلول مسحوق نبات الزوان والأفيون والحشيش والسيكران، وتوضع على أنف وفم العليل للاستنشاق حتى يفقد وعيه، فلا يشعر بالألم في أثناء إجراء العمليات الجراحية. وكذلك في مجال التخدير الموضعي لمنع الألم عند خلع الأسنان، وصفوا لأول مرة في تاريخ الطب التبريد لتسكين الآلام، وذلك بوضع قطع الثلج على الأماكن المؤلمة في الأسنان. كما وصفوا استعمال بذور نبات القنة والأفيون والميعة والبنج المعجونة بالعسل التي توضع على الأسنان، فإذا استمر الألم، وضعوا الزيت المغلي في ثقوبها، أو قاموا بكيّها حراريًا.

وبرع أطباء الحضارة الإسلامية في تشبيك الأسنان المتحركة بالجبيرة السلكية التي وصفوها واستخدموها بأسلاك الذهب استخدامًا دقيقًا، ووسعوا منابت الأسنان في حالة تآكل العظم بسبب آفة نسج داعمة، أو خراج سني، وأشاروا إلى الامتصاص الدوري الحديث حين وصفوا تآكلًا يدقق السن بما ينقص منها. كما وقفوا على التراجع اللثوي الذي ينشأ عن النسج الداعمة إذا التهبت، وذلك بمعرفتهم نقصان لحم العمور.

وأجرى أطباء الحضارة الإسلامية ما يُعرف حاليًا في الطب بالجراحة التجميلية لتشوه الأسنان Malocclusuion، فنشروا الأسنان النابتة على غيرها، كما سجلوا السبق العلمي الأصيل في تشخيص ووصف القلح والترسبات القلحية وأثرها في فساد اللثة، وأساليب وطرائق إزالتها تلك التي مازالت مستخدمة في الطب الحديث، ذلك الذي أقر أيضًا بتشخيصهم لما يُعرف حاليًا باسم البثعة Epulis أو الورم اللثوي الذي ينبت على اللثة وفي جوانب الأسنان، ووضعوا له العلاجات المناسبة والتي تنوعت بين الجراحة والأدوية.

وكذلك عالج أطباء الحضارة الإسلامية كسر اللحى أو الفك السفلي Mandibular Fractures وخلع الفك السفلي Mandibular Dislication بطرائق مازالت متبعة في الطب الحديث مثل الرد الإصبعي وتثبيت الأسنان وربطها بأسلاك من ذهب والتي تقابل الآن أسلاك الفولاذ، وربط الفك السفلي في اتجاه الرأس بعد رده برباط قماش والذي يقابل الرباط المطاطي حاليًا.

كل هذه الإنجازات جعلت طب الأسنان في الحضارة الإسلامية يمثل إبداعًا ممتدًا إلى العلم الحديث، ويحتل مكانًا مرموقًا في تاريخ الطب العالمي.

أترك تعليق



يجب عليك الدخول لترك تعليق.